الأحد, ديسمبر 7, 2025
الرئيسيةBlogالصرافة المرخصة في سوريا: شفافية شكلية بلا سلطة نقدية

الصرافة المرخصة في سوريا: شفافية شكلية بلا سلطة نقدية

#️⃣ #الصرافة #المرخصة #في #سوريا #شفافية #شكلية #بلا #سلطة #نقدية

الصرافة المرخصة في سوريا: شفافية شكلية بلا سلطة نقدية

📅 2025-11-06 10:15:20 | ✍️ حنين رمضان | 🌐 الحل نت

ما هو الصرافة المرخصة في سوريا: شفافية شكلية بلا سلطة نقدية؟

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، شهدت سوريا تحولاً اقتصادياً لافتاً تمثّل في الانتشار الواسع لمحلات الصرافة المرخصة في معظم المحافظات، لتتحول هذه المهنة من نشاط شبه محظور إلى قطاع اقتصادي منظم وعلني.

خلال العقود السابقة، كانت مهنة الصرافة محاطة بقيود أمنية وقانونية صارمة، إذ كانت تهمة “الاتجار بالعملة” كفيلة باعتقال أي شخص يمارسها خارج الأطر الرسمية الضيقة التي احتكرها النظام، بينما كان المواطنون يعتمدون على السوق السوداء لتبديل العملات وسط مخاطر دائمة من الاعتقال أو النصب أو الخسارة المالية.

أما اليوم، فقد باتت محلات الصرافة جزءاً أساسياً من المشهد الاقتصادي الجديد، حيث تعمل بشفافية لافتة من خلال نشر أسعار الصرف يومياً أمام المكاتب، ما أتاح للمواطنين معرفة السعر بشكل علني بعد سنوات من الغموض والتخفي.

ورغم هذا التحسن في وضوح التعاملات، ما تزال الأسواق تواجه تحديات كبيرة، أبرزها استمرار تحكم السوق السوداء في تحديد الأسعار الفعلية، إلى جانب غياب جهة نقدية موحدة تضبط حركة الصرف وتمنع التلاعب اليومي الذي ينعكس مباشرة على حياة الناس ومعيشتهم.

من السوق السوداء إلى الشفافية الرسمية

قبل سقوط النظام، كانت الصرافة تُمارس في الخفاء، وغالباً ما يضطر العاملون فيها إلى دفع رشى للنجاة من الملاحقة الأمنية، كما كانت الأسعار تتحدد وفقاً للمضاربة والعلاقات الشخصية بين التجار.

مكتب صرافة في شارع الحمرا بدمشق – “الحل نت”

لكن مع التحولات السياسية والاقتصادية الأخيرة، أصدرت الحكومة السورية الانتقالية تراخيص رسمية لمحلات الصرافة، في خطوة رآها كثيرون “تحريراً اقتصادياً متأخراً” فتح الباب أمام التعامل النقدي الشفاف بعد سنوات من الكتمان والرقابة.

“تنظيم المهنة ساعد على ضبط السوق وتوحيد الأسعار في المدينة بنسبة كبيرة.”

مازن خليل، صاحب مكتب صرافة في دمشق

وأضاف خليل: “اليوم المواطن بيقدر يشوف السعر مكتوب قدام المكتب، وما في تلاعب، قبل كنا نشتغل بالخوف، وكان الدولار يطلع وينزل بدون منطق”.

كما أن انتشار المحلات بشكل قانوني خلق منافسة إيجابية انعكست على استقرار السوق المحلي، بحسب خليل، لكنه أشار أيضا إلى أن التفاوت في السعر بين المحافظات ما يزال قائماً، والذي يصل إلى 100 ليرة سورية للدولار الواحد، إذ يتعلق ذلك بالعرض والطلب وكلفة النقل بين المحافظات.

دمشق: شفافية أمام الجمهور والسوق السوداء تتحكم

في العاصمة دمشق، تنتشر المكاتب النظامية للصرافة بشكل واسع في مناطق مثل الحمراء والحريقة وساحة المحافظة، حيث تعرض واجهات المكاتب الأسعار بشكل علني، لكن العاملون فيها يؤكدون أن السوق السوداء هي التي تحدد السعر الحقيقي وليس المصرف المركزي.

يعمل سامر الطويل في مكتب للصرافة في شارع الحريقة، المكتب يستقبل يومياً عشرات الزبائن الذين يأتون لتصريف الأموال أو سحب الحوالات.

وفق سامر، فإن معظم الأسعار الفعلية تتأثر مباشرة بحركة السوق السوداء، وليس بالمعدلات الرسمية للمصرف المركزي، مما يجعل تحديد السعر بشكل ثابت شبه مستحيل.

“التبدلات السريعة في السعر ناتجة عن عمليات المضاربة التي تجري عبر مجموعات خاصة على تطبيق “تلغرام” أو “واتساب”، حيث نتبادل المعلومات حول السعر لحظة بلحظة، كل السوق ماشي على إشارات من المجموعات، المركزي ما عاد هو المرجع، السوق هو اللي بيقرر.”

سامر الطويل

مواطنون في دمشق يؤكدون بدورهم أن الشفافية المعلنة لا تعني بالضرورة ثبات الأسعار. ويقول عبد الرحمن السلطي إن الأسعار المعلنة في مكاتب الصرافة لا تعكس الواقع الفعلي، وغالبية التعاملات تتم وفق سعر السوق السوداء، ما يضطره لمتابعة الأسعار باستمرار قبل أي عملية صرف.

ويوضح السلطي، وهو موظف حكومي ويتلقى حوالة شهرية من أحد أقاربه، في حديث لـ “الحل نت”: “كل مكتب عنده تسعيرته الفعلية، بيقولك هذا السعر الرسمي بس نحنا بنصرف على سعر السوق، يعني الأسعار المعلنة شكلية.”

ازدحام الشارع الدمشقي بين لوحات الأسعار

في جولة ميدانية لـ ”الحل نت” في وسط العاصمة دمشق، وخصوصاً في مناطق ساحة المحافظة والحريقة ومساكن برزة، يمكن ملاحظة الانتشار الكثيف لمحلات الصرافة المرخصة، حيث تصطف واجهات المكاتب جنباً إلى جنب مع شاشات إلكترونية تعرض أسعار الصرف بشكل مستمر.

مكتب صرافة في شارع الحمرا بدمشق – “الحل نت”

خلال ساعات النهار، تتشكل طوابير صغيرة أمام المكاتب، معظمها لمواطنين يسحبون حوالات أو يبدّلون مبالغ محدودة، فيما يراقب كثيرون الشاشات من مكتب الى آخر لرؤية أي سعر أعلى.

أبو ناصر يقيم في دمشق، ويزور مكتب الصرافة في حيّه يومياً لمتابعة حركة الأسعار وصرف حوالاته، إذ يعتمد على هذه المكاتب للحصول على أمواله، خاصة الحوالات المرسلة من الخارج.

ويشير إلى أن التغيّر المستمر في الأسعار يجبره على الانتظار والمراقبة قبل أي عملية صرف، وهو وضع يواجهه كثير من سكان الحي.

“كل شوي السعر بتغيّر، يعني إذا صرّفت الصبح غير إذا صرفت بعد الظهر، ما في استقرار، وكل محل عنده فرق بسيط، بس الكل بقول السعر نظامي.”

أبو ناصر لـ “الحل نت”

ويضيف علاء سليمان، صاحب أحد المكاتب، أن حركة السوق “نشطة شكلياً”، لكن الأرباح منخفضة جداً بسبب المنافسة الكبيرة، في ظل وجود عدد كبير من المكاتب، إذ تحاول المكاتب جذب الزبائن بفرق بسيط بالسعر أو العمولة، “بس بالأخير كلنا منرجع للسوق الموازي”، وفق سليمان.

ورغم الازدحام الظاهر، يؤكد كثير من العاملين أن حركة البيع والشراء اليومية تبقى محدودة، وغالبية العمليات تقتصر على التحويلات الصغيرة أو سحب مبالغ إلكترونية من تطبيقات مثل “شام كاش”، التي باتت تنافس المكاتب على نفس الزبائن.

من التلاعب بالسعر إلى التلاعب بالعمولات

مع توسّع استخدام أنظمة الدفع والتحويل الإلكتروني مثل “شام كاش”، انتقلت المنافسة من تحديد السعر إلى تحديد عمولات السحب والتحويل. فكل مكتب أو وسيط يفرض نسبته الخاصة، وغالباً ما تتراوح بين دولار الى خمسة دولار على كل مئة دولار، بحسب المنطقة أو الزبون أو نوع الحوالة.

رشا العمرو موظفة تقيم في دمشق وتعمل عن بُعد مع شركة خارج البلاد، وتتقاضى راتبها شهرياً عبر تطبيق “شام كاش”. تقول العمرو إن مشكلتها الأكبر لم تعد في تأخر الحوالة، بل في اختلاف العمولات التي تفرضها مكاتب الصرافة عند سحب الأموال.

 “كل مكتب بيحسبها على كيفه، في مكاتب بتاخد 2 دولار على كل 100، وفي مرة رحت على مكتب طلب 5 دولار على كل 100 بدون أي سبب واضح”.

رشا العمرو

وتشير إلى أن هذا التفاوت جعل المواطنين في حالة بحث دائم عن المكتب الأقل عمولة، مضيفة: “كل شهر بصير ألف على المكاتب بالحي بشوف مين أرخص، لأن مافي سعر ثابت وكل يوم شكل”.

وترى رشا أن غياب جهة رقابية تحدد سقف العمولة سمح باستغلال واسع، ما جعل التحويلات الشهرية عبئاً إضافياً بدلاً من أن تكون مصدر استقرار.

ويشير بعض العاملين في القطاع إلى أن التلاعب لم يختفِ، بل تغيّر شكله، فبدل السوق السوداء في الأزقة، صار التلاعب اليوم “رقمياً” داخل التطبيقات المرخّصة نفسها.

الشفافية شكلية بلا سلطة نقدية

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور جواد فرحات أن المشكلة الأساسية لا تكمن في مكاتب الصرافة نفسها، بل في غياب سلطة نقدية قادرة على فرض السعر الفعلي.

مكتب صرافة في شارع الحمرا بدمشق – “الحل نت”

يقول لـ “الحل نت”، إن “السوق السوداء ما زالت تقود السعر لأن المصرف المركزي غائب، الترخيص والتنظيم خطوة شكلية، لكن من دون تدخل نقدي مباشر، تبقى المكاتب مجرد واجهات شفافة لسوق غير رسمي.”

ويضيف فرحات أن التلاعب في أنظمة التحويل الإلكتروني هو نتيجة طبيعية لغياب الرقابة.

“حين تُترك أنظمة مثل شام كاش تعمل بعمولات مفتوحة، يتحول النظام الرسمي نفسه إلى بيئة للفوضى المقنّعة، الشفافية ليست بتعليق الأسعار على اللوحات، بل بوجود جهة تحدد وتراقب وتضبط.”

الخبير الاقتصادي الدكتور جواد فرحات

رغم المكاسب التنظيمية التي حققها السوق عبر انتشار محلات الصرافة المرخصة، إلا أن الطريق نحو استقرار مالي حقيقي ما زال طويلاً ومعقداً.

ففي ظل غياب سياسة نقدية موحدة ومصرف مركزي قادر على إدارة التدفقات المالية، تبقى البلاد عرضة لتقلبات حادة في الأسعار وتفاوت غير عادل بين المناطق. إذ إن استمرار اعتماد السوق على التسعير الموازي سيجعل أي محاولة لتوحيد السعر مستقبلاً شبه مستحيلة، خصوصاً مع انتشار التحويلات الإلكترونية وعمولات السحب غير المنضبطة.

كما أن إصلاح هذا الواقع يتطلب إعادة هيكلة شاملة للسياسة النقدية والرقابة المصرفية، وليس مجرد تنظيم الواجهات القانونية.

أخيرا، فإن شكّل انتشار محلات الصرافة المرخصة خطوة نحو العلنية والشفافية، لكنه كشف في الوقت ذاته عمق الانقسام النقدي في البلاد. فبين تنظيم السوق من جهة، واستمرار تحكم السوق السوداء من جهة أخرى، تبقى الصرافة عنواناً لتحولٍ اقتصادي لم يكتمل بعد، يعكس واقعاً هشّاً يبحث عن اتزان بين الشفافية المنشودة والاستقرار الغائب.

تفاصيل إضافية عن الصرافة المرخصة في سوريا: شفافية شكلية بلا سلطة نقدية

🔍 اقرأ المزيد على هنا:

مقيم أوروبا

📌 المصدر الأصلي:
مقيم أوروبا وعوغل ومواقع انترنت

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات