تشهد العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الخميس، حدثًا دبلوماسيًا بالغ الحساسية يتمثل في لقاء ثلاثي يجمع بين المبعوث الأميركي الخاص توم برّاك، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، ووزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية أسعد الشيباني.

ويمثل انعقاد هذا اللقاء خطوة تعد الأولى من نوعها منذ بدء التحولات الجيوسياسية المتسارعة في جنوب سوريا، وعلى رأسها الأحداث الدامية في محافظة السويداء.

ملفات أمنية على الطاولة

بحسب ما نقله الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في تل أبيب وواشنطن، فإن الاجتماع المرتقب سيُخصص لمناقشة ملفات أمنية متعلقة بجنوب سوريا، في ظل تطورات ميدانية متلاحقة تشير إلى تصاعد التنسيق الأمني والعسكري بين الأطراف الثلاثة، وخصوصاً في مناطق النفوذ القريبة من خط وقف إطلاق النار في الجولان، حيث يتحول الجنوب السوري شيئًا فشيئًا إلى مسرح جديد لترتيبات إقليمية تشارك فيها واشنطن وأنقرة وتل أبيب بشكل مباشر أو غير مباشر.

ورغم التكتم الرسمي على تفاصيل الاجتماع، فإن مصادر دبلوماسية تحدثت إلى وسائل إعلام سعودية، من بينها قناة “العربية”، أكدت وجود تنسيق أمني مستأنف بين الحكومة السورية الانتقالية وإسرائيل، تحت رعاية أميركية وتركية، ما يعكس إعادة فتح قنوات الاتصال التي كانت مجمدة خلال الأشهر الماضية، بعد تعثر المحادثات غير المباشرة في مسارات أخرى.

المصادر ذاتها أشارت إلى أن الملفات المطروحة للنقاش لا تقتصر على الوضع في السويداء فحسب، بل تشمل ملفات أوسع تتعلق بالأكراد في شمال شرقي سوريا (قوات سوريا الديمقراطية – قسد)، وتوازنات النفوذ الطائفي بين مكونات المنطقة، بما في ذلك الدروز والعلويين، وهي قضايا تمثل لبّ التوترات الداخلية والخارجية في المشهد السوري الراهن، وتفتح الباب واسعًا أمام تقاطعات أمنية حساسة بين القوى الإقليمية، لا سيما تركيا وإسرائيل.

ترتيبات إقليمية

تعززت هذه المعطيات بعد الإعلان عن توجه وفد إسرائيلي إلى أذربيجان، في خطوة رجّحت مصادر دبلوماسية أنها تأتي ضمن ترتيبات إقليمية أوسع تشمل التفاهم على خطوط التهدئة وتبادل النفوذ في سوريا، مع حديث متزايد عن قرب التوصل إلى “تسوية” بشأن محافظة السويداء، التي تشهد منذ أسابيع تصعيدًا غير مسبوقًا، تخللته عمليات عسكرية واسعة النطاق وهجمات جوية نسبت لإسرائيل.

وتطالب تل أبيب – وفق المصادر ذاتها – بجعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، مع إصرارها على ضمان وجود أمني دائم في المنطقة العازلة الممتدة على طول خط وقف إطلاق النار لعام 1974، ما يثير مخاوف من نوايا إسرائيلية لتثبيت نفوذ عسكري دائم تحت ذرائع أمنية، وعلى رأسها ما تسميه “حماية الدروز”، وهي الذريعة التي استخدمتها تل أبيب مراراً لتبرير تدخلاتها العسكرية المتكررة في الأراضي السورية.

وكانت إسرائيل قد شنت، الأسبوع الماضي، هجومًا جويًا واسع النطاق استهدف أكثر من 160 موقعًا داخل الأراضي السورية، موزعة على أربع محافظات رئيسية وهي السويداء ودرعا ودمشق وريفها، وأسفرت تلك الغارات عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 34 آخرين، معظمهم في العاصمة دمشق، فيما التزمت الحكومة السورية الصمت حيال الضربات، وهو ما فُسّر على نطاق واسع بأنه مؤشر على وجود تفاهمات غير معلنة أو على الأقل قنوات تواصل خلف الكواليس.