وضع وزير المالية السوري محمد يسر برنيّة على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، حدًا للتكهنات بشأن توقيت وصول الدعم المالي المشترك من المملكة العربية السعودية ودولة قطر.

 فقد أعلن الوزير، عن أن صرف حزمة الدعم البالغة 89 مليون دولار أميركي والمخصصة لأجور موظفي الدولة سيبدأ فعليًا الشهر المقبل،  ليكون بمثابة خطوة عملية على طريق تحسين أوضاع الموظفين الحكوميين وتثبيت استمرارية الخدمات العامة الأساسية التي تواجه ضغوطًا متصاعدة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط”.

دعم منتظر يفتح نافذة أمل للموظفين

هذا الإعلان، الذي تنتظره الأوساط السورية، يوفر بارقة أمل مباشرة لملايين الموظفين الحكوميين ويؤكد على استئناف التنسيق المالي الإقليمي لدعم استمرارية الخدمات الأساسية في سوريا، بالتوازي مع كشف الوزير عن أجندة إصلاحية طموحة تهدف إلى الانضباط المالي وتفعيل دور القطاع الخاص.

ويأتي هذا الدعم المالي ضمن مبادرة مشتركة أُعلن عنها مؤخرًا من قبل السعودية وقطر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يبلغ قيمته  89 مليون دولار، مخصصة لتغطية جزء من رواتب موظفي الدولة في سوريا على مدار ثلاثة أشهر، بتمويل من “الصندوق السعودي للتنمية” و”صندوق قطر للتنمية”.

وتُعد هذه الخطوة غير المسبوقة من دول خليجية بارزة بمثابة مؤشر على تحولات تدريجية في التعاطي مع الملف السوري، لا سيما من بوابة الدعم الإنساني والخدمي، بعد سنوات من العزلة السياسية والعقوبات الغربية التي أثقلت كاهل الدولة ومؤسساتها.

امتنان رسمي للدول الداعمة

عبر الوزير عن شكره العميق لدول الخليج، قائلًا: “نحن عاجزون عن شكر دول الخليج؛ السعودية ودولة قطر وما تقدمانه لسوريا من كل النواحي، نحن مقدّرون وممتنون لهذا الدعم، سواء أكان استثمارات أم نقل معرفة أو دعم أجور الرواتب الذي قُدِّم الأسبوع الماضي وسيدخل حيّز التنفيذ الشهر المقبل”، كما امتد شكره ليشمل دولة الإمارات وأي دولة أخرى تقدم المساعدة.

خلال مشاركته في جلسة “إعادة بناء سوريا رحلة نحو الاستقرار والازدهار” على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قدم برنية أجندة إصلاحية طموحة، مرتكزة على استعادة الثقة مع مجتمع الأعمال، وتعزيز الانضباط المالي، والتحول نحو نموذج “الدعم الموجّه”، مؤكدًا في الوقت ذاته أن “العقوبات باتت وراءنا” في إشارة إلى تجاوز تداعياتها السابقة.

وتستهدف هذه الأجندة تبسيط الهيكل الضريبي بشكل جذري، عبر تقليص عدد أنواع الضرائب من ثلاثة وثلاثين إلى ثلاث أو أربع ضرائب رئيسية فقط، إلى جانب وضع خطة لإدارة الدين العام عبر تسويات منظمة مع الدائنين، وتطبيق إصلاحات هيكلية للمؤسسات العامة على أساس “حالة بحالة”.

القطاع الخاص في صدارة النمو القادم

شدد برنيّة على أن الحكومة السورية لن تتدخل في تمويل أو تنفيذ المشروعات التي يمكن للقطاع الخاص الاضطلاع بها، مؤكدًا أن “فلسفتنا هي أن يقود القطاع الخاص النمو الاقتصادي والاستثمار”.

ولتمويل مشاريع البنية التحتية والإعمار، أشار إلى تأسيس “صندوق التنمية السوري”، بالتوازي مع التعاون مع البنك الدولي لإطلاق “صندوق ائتماني متعدد الأطراف” يهدف إلى جذب الدعم من المانحين الدوليين والمؤسسات التنموية.

وفي مؤشر قوي على التزام الحكومة بالانضباط المالي، كشف وزير المالية عن تسوية كامل التزامات البلاد تجاه المصرف المركزي السوري، مؤكدًا أن “الرصيد صفر، ولدينا فائض في الموازنة”، متعهدًا بعدم اللجوء إلى المصرف المركزي لتمويل العجز مستقبلًا، وهي خطوة حاسمة في مكافحة التضخم.

خطة لإصلاح القطاع المالي وجذب المستثمرين

فيما يخص القطاع المصرفي وغير المصرفي، أشار برنيّة إلى أن الوزارة تجري تقييمًا تفصيليًا لإصلاح سوق المال والتأمين، كاشفًأ عن تعاون قائم مع السوق المالية السعودية (تداول) بهدف تطوير سوق دمشق للأوراق المالية.

يتمثل الطموح النهائي في “ترقية السوق السورية إلى تصنيف الأسواق الناشئة خلال 8 سنوات”، من خلال إصدار أنظمة جديدة تسمح بفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب وتوسيع نطاق الأدوات المالية المتاحة.

 ويُعد إعلان الوزير عن عودة أكثر من مليون سوري و 1.7 مليون نازح داخلي إلى منازلهم منذ مطلع العام بمثابة مؤشرات “عودة أمل” تدعم الأجندة البراغماتية للانتعاش الاقتصادي.