تعيش محافظة السويداء جنوبي سوريا، أسوأ أحوالها الإنسانية في تاريخها الحديث، وذلك بعد أسبوعين من الاشتباكات العسكرية التي دارات بين قوات الحكومة السورية الانتقالية وفصائل عشائر البدو من جهة، والفصائل الدرزية من جهة أخرى. وقد استهدفت عشرات القرى في أريافها الغربية والشمالية والشمالية الشرقية من قبل ميليشيات متطرفة تابعة للحكومة السورية.

هذه الهجمات تسببت بتهجير قسري لآلاف السكان، الذين لجأوا إلى مناطق أكثر أمانا داخل المحافظة، بما في ذلك البيوت الخاصة، والمدارس، والمقامات الدينية، ومراكز الإيواء المؤقتة، وفق ما وثّقته شبكة “السويداء 24” المحلية.

ويفاقم المأساة حصار خانق، وصفته الشبكة المعنية بتغطية أخبار السويداء بأنه “ممنهج”، مفروض على جميع الطرق المؤدية إلى السويداء من دمشق ودرعا، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الأساسية، من نقص حاد في مياه الشرب والغذاء إلى فقدان المحروقات والدواء، وصولا إلى عجز المستشفيات ومراكز الخدمة عن تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات.

السويداء: قرى منكوبة وضحايا بالعشرات

في السياق، ثمة العديد من القرى المتضررة في السويداء، لا سيما الغربية منها والريف الشمالي الشرقي، نتيجة الاقتحامات التي تعرضت لها.

وتشمل هذه القرى، وفقا لشبكة “السويداء 24” المحلية، كل من: الخالدية، السالمية، دير الشعير، الحقف، وذلك في الريف الشمالي الشرقي. وفي الريف الغربي: الثعلة، المزرعة، ولغا، الطيرة، سميع، الدور، تعارة، قراصة، الدويرة، نجران، حران، لبين، جرين، داما، دير داما، المجيمر، عرى. 

وفي ريف السويداء الشمالي: أم الزيتون، السويمرة، المتونة، لاهثة، رضيمة اللواء، الصورة الصغرى، ذكير، خلخلة، أم حارتين، حزم، الصورة الكبرى. 

كذلك، في قريتي الدور ونجران لوحدهما، أعلنت مصادر محلية وطبية عن ارتقاء حوالي 100 متوفي من السكان وفق رصد “السويداء 24″، بينهم نساء وأطفال ومسنين، جرى توثيقهم بالأسماء، ما يشير إلى المزيد من المجازر التي ستتكشف في الأيام القادمة.

وتُقدّر الحصيلة العامة للضحايا حتى الآن بأكثر من ألف قتيل، فيما لا تزال الجثامين منتشرة في الطرقات داخل القرى المحاصرة، التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة إلى جانب وحدات من قوات الحكومة الانتقالية، وسط استمرار عمليات النهب والتعفيش، وإحصاء الضحايا.

وكانت شبكة “السويداء 24” قد نشرت مقطع فيديو يُظهر عناصر مسلحة تابعة للحكومة السورية وهم يسرقون “يعفّشون” محتويات أحد المحال التجارية في مدينة السويداء. وقد وثّقت كاميرا المراقبة لحظة اقتحام محل لبيع الجوالات يوم 15 تموز/يوليو الجاري، من قبل مجموعة عناصر ظهرت وجوههم بوضوح، خلال العملية التي تزامنت مع دخول قوات الحكومة الانتقالية إلى المدينة تحت شعار “فض النزاع”. ولم ينس أحد العناصر، أثناء عملية السرقة، تكسير كاميرا المراقبة.

يذكر أن كاميرات المراقبة في السويداء وثقت العديد من المشاهد، من عمليات تصفية ميدانية، اطلاق نار عشوائي على سيارات المدنيين، تعفيش ونهب وسرقات.

إعدامات ميدانية وخطف

منذ بداية الهجوم يومي 15 و16 تموز/يوليو الجاري، وثّق نشطاء حقوقيون عمليات إعدام ميداني جماعي بحق عائلات كاملة في مدينة السويداء وريفها. 

وجرت الاقتحامات على مراحل “منظمة”، وفق “السويداء 24″، بقيادة قوات تابعة لوزارتي “الدفاع” و”الداخلية” في الحكومة الانتقالية، تبعتها مجموعات مسلحة تُعرف باسم “جيش العشائر”.

وخلال الأيام الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد توثق حالات خطف لنساء وأطفال ومسنين من المناطق المستهدفة، فيما تُشير التقديرات الميدانية إلى أن أكثر من 80 امرأة وطفل لا يزالون في عداد المفقودين، وفق العديد من النشطاء.

ورغم تراجع وتيرة الاشتباكات خلال الأيام الأخيرة، لا تزال الخروقات مستمرة على بعض المحاور، في وقت يأمل فيه سكان السويداء أن يثبت وقف إطلاق النار بشكل فعّلي، وتفتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال الغذاء والدواء، وتأمين احتياجات آلاف المدنيين المنكوبين.

وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن عدد القتلى بلغ 814 على الأقل، والجرحى تجاوز 903، وشمل الضحايا أطفالا ونساء وطواقم طبية وأفراد من فصائل محلية وخارج السيطرة الحكومية.

هذا فضلا عن أكثر من 145 ألف شخص نزحوا من المنطقة، وتم توزيعهم على مراكز إيواء في محافظات درعا ودمشق، حيث استُقبلت 5 آلاف عائلة تقريبا في أكثر من 60 مركزا خصها المحافظ في درعا، وفق وسائل الإعلام.