يشهد القطاع الصناعي السوري، الذي يُعد الركيزة الأساسية لأي تعافٍ اقتصادي مستقبلي، تصادمًا بين وعود حكومية كبرى بإصلاحات ضريبية وهيكلية، وواقع ميداني متأزم يعكسه احتجاج مباشر للصناعيين المطالبين بوقف التهميش والانهيار.

في خطوة تهدف إلى تحفيز الاستثمار والإنتاج، أعلن وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، الخميس، عن ملامح النظام الضريبي الجديد الذي تستعد الحكومة لتطبيقه، مؤكداً أن الضريبة المفروضة على القطاع الصناعي ستكون بنسبة 10 بالمئة فقط.

حزمة تغييرات

تأتي هذه النسبة المخفضة ضمن حزمة تغييرات واسعة تشمل إلغاء ضريبة الإنفاق الاستهلاكي اعتبارًا من مطلع عام 2026، واستبدالها بـضريبة المبيعات، التي خُصص لها دور مباشر في دعم القطاع الحيوي.

الوزير برنية، الذي تحدث في اجتماع الهيئة العامة لغرفة صناعة دمشق وريفها، أكد أن 25 بالمئة من حصيلة ضريبة المبيعات الجديدة سيتم تخصيصها لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز الصادرات، في محاولة لربط الإيرادات الضريبية بشكل مباشر بجهود التنمية.

وشدد على التزام الحكومة بمبدأ التشاركية الفعلية مع غرف الصناعة والتجارة في صياغة السياسات، واعدًا بأن أي قرارات مستقبلية لن تصدر دون حوار مسبق مع ممثلي القطاع.

إعفاء كامل للمنشآت المتضررة

تضمنت الوعود الحكومية كذلك إعفاءً كاملًا للمنشآت الصناعية المتضررة أو المدمرة من الضرائب حتى إعادة تأهيلها، بهدف تسريع عملية إعادة التشغيل في المناطق المتضررة.

لتعزيز هذا التوجه الإصلاحي، أشار الوزير إلى تشكيل لجنة مشتركة تضم وزارتي المالية والاقتصاد وهيئة المنافذ البرية والبحرية لمراجعة شاملة لقوانين التعريفة الجمركية و”المنع والمنح”، بما يتوافق مع ملاحظات المصنعين والتجار.

وتأتي هذه الإجراءات لمواجهة تحدي تراجع الصادرات الذي وصل إلى 90 بالمئة منذ عام 2010، مؤكدًا أن الدولة لن تتخلى عن أي منشأة تسهم في الإنتاج والتنمية.

احتجاج أمام اتحاد غرف الصناعة

في المقابل، تزامنت هذه الوعود الرسمية مع تعبير الصناعيين عن قلق عميق بشأن مصير قطاعهم، ففي وقفة احتجاجية نُفذت أمام مبنى اتحاد غرف الصناعة في دمشق، الثلاثاء، رفع الصناعيون مطالب عاجلة لإنقاذ الصناعة الوطنية من الانهيار الوشيك.

هذه المطالب عُرضت أيضًا في كتاب رسمي موجه لوزير الاقتصاد والتجارة، وسلطت الضوء على عراقيل جوهرية مثل تحويل الأقساط من الليرة السورية إلى الدولار، ورفض المصارف العامة استلام المدفوعات، إضافة إلى تجاهل وعود حكومية سابقة لدعم المتضررين في مناطق مثل القابون.

وأكد الصناعيون خلال وقفتهم أن التشريعات الحالية لا تراعي واقع الإنتاج المحلي، في حين تُمنح تسهيلات غير مسبوقة وضمانات للمستثمرين الأجانب، بينما يواجه المنتج المحلي ضرائب “مرهقة” وتكاليف تشغيل باهظة.

 وطالبوا بضرورة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل عبر منحهم إعفاءات ضريبية لخمس سنوات أسوة بالمستثمرين الخارجيين، وبإعادة تفعيل مجالس إدارة المدن الصناعية بصيغة تشاركية تمنح أصحاب المنشآت صوتًا مباشرًا.

أرقام رسمية متواضعة

تعكس الأرقام الرسمية صورة قاتمة لواقع الصناعة في دمشق والمناطق الصناعية الكبرى، فمن أصل 3888 منشأة مسجلة في دمشق، لم يعد إلى العمل سوى 1112 منشأة، بينما لا تزال 1215 أخرى في مرحلة إعادة التأهيل، فيما تبقى آلاف المصانع مغلقة كليًا.

وفي مدينة عدرا الصناعية، رغم تخصيص أكثر من 5315 مقسمًا صناعيًا، لا يعمل منها فعليًا سوى 1068 منشأة، ما يعكس فجوة واسعة بين القدرة النظرية والإنتاج الفعلي.

وبحسب بيانات وزارة الصناعة، دخلت 562 منشأة صناعية وحرفية جديدة حيز الإنتاج خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، باستثمارات بلغت 13 مليار ليرة سورية، ووفرت 2776 فرصة عمل، لكن هذه الأرقام تبدو متواضعة أمام احتياجات السوق التي فقدت مئات الآلاف من الوظائف خلال سنوات الحرب والتراجع الاقتصادي.

بين وعود الحكومة بالإصلاح وصرخات الصناعيين العالقين في دوامة الأزمات، يقف القطاع الصناعي السوري أمام اختبار حاسم، فإذا لم تتحول الوعود إلى سياسات تنفيذية ملموسة، ستبقى الصناعة الوطنية رهينة بيانات رسمية متفائلة لا تنعكس على أرض الواقع، فيما يستمر نزيف الإنتاج والوظائف، وتتعمق التبعية للواردات في اقتصاد ما زال يبحث عن بوادر تعافٍ بعد أكثر من عقد من الانهيار.