#️⃣ #الشيخ #في #مؤسسات #الدولة #السورية #سلطة #ظل #بين #الديني #والإداري
الشيخ في مؤسسات الدولة السورية: سلطة ظلٍّ بين الديني والإداري
📅 2025-10-26 09:13:30 | ✍️ حنين رمضان | 🌐 الحل نت
ما هو الشيخ في مؤسسات الدولة السورية: سلطة ظلٍّ بين الديني والإداري؟
شهدت مؤسسات الحكومة السورية بعد سقوط النظام تحوّلاً لافتاً في اللغة الإدارية داخل المكاتب الرسمية والمخافر، حيث حلّ لقب “الشيخ” تدريجياً محل الألقاب القديمة مثل “المدير” و“الضابط” و“الرئيس”.
ويُستخدم هذا اللقب اليوم للإشارة إلى أصحاب النفوذ أو متخذي القرار في المؤسسات الحكومية، من دون أن تكون له علاقة بالدين أو الاختصاص الشرعي.
تظهر هذه الظاهرة بوضوح في الدوائر الحكومية، حيث أصبح المراجعون يسمعون بشكل متكرر عبارات مثل “راجع الشيخ” أو “استنى الشيخ”، في إشارة إلى الشخص المسؤول، من دون معرفة واضحة لهويته أو موقعه الوظيفي.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس إعادة إنتاج لأسلوب السلطة القديم ولكن بغطاء ديني أخلاقي جديد يمنح الخوف طابعاً مختلفاً ويضفي عليه شرعية شكلية.
في الدوائر الحكومية: “من شيخ إلى شيخ”
انتقل استخدام لقب “الشيخ” إلى المكاتب والدوائر الحكومية المدنية، حيث بات اللفظ يرافق المعاملات اليومية للمواطنين.
فمنذ دخول المراجع لأي دائرة خدمية، يسمع توجيهات مثل “راجع الشيخ” أو “قدّم الورقة عند الشيخ”، دون أن يعرف إن كان المقصود موظفاً عادياً أم مسؤولاً فعلياً عن القسم.
ويقول مواطنون إن الظاهرة أصبحت جزءاً من البنية الإدارية غير المعلنة، إذ يُستخدم اللقب كإشارة إلى الشخص الذي “يمشي الأمور” أو “يحلّ القضايا” حتى وإن لم يكن معروف المنصب أو الاسم.
تقول مرح جابر، وهي موظفة سابقة، إنها لم تكن تصدّق ما يُقال عن “الشيخ” داخل مؤسسات الدولة، إلى أن اضطرت لمراجعة إحدى الدوائر لإنجاز معاملة رسمية.
وتوضح جابر لـ “الحل نت“: “قالوا لي روحي لمكتب الشيخ أبو خالد، رحت وسألت أكتر من موظف، وكل واحد دلّني على مكتب غير تفاجأت إنو في أكتر من شيخ بنفس الاسم، وكل معاملة تمرّ على شيخ غير، ما كنت بعرف مين الشيخ الحقيقي المسؤول.”
هذه التجربة جعلت جابر تدرك أن لقب “الشيخ” يُستخدم كواجهة عامة للسلطة داخل المؤسسة، من دون أن يعرف المواطن من يقف وراءه أو من يملك القرار الفعلي.
لم يقتصر استخدام لقب “الشيخ” على المؤسسات المدنية، بل امتد إلى المخافر والجهات الأمنية، حيث بات اللقب يُطلق على العناصر والضباط الذين يشغلون مواقع مسؤولية أمنية.
ويشير عدد من الأهالي إلى أن المُراجع حين يدخل إلى المخفر يسمع أوامر من نوع “قدّم إفادتك للشيخ” أو “الشيخ موجود بالمكتب”، دون أن يفهم ما إذا كان الشخص رجل دين أو ضابط أمن.
في هذا السياق، يروي سامر حسين وهو شاب من ريف دمشق، تجربته أثناء محاولته تقديم شكوى في أحد المخافر بعد أن تعرض بيته للسرقة. يروي لـ “الحل نت“: “دخلت وسألت عن الضابط المناوب، قالوا لي تفضل لعند الشيخ أبو سامر، استغربت! قلتله يعني الشيخ شيخ دين؟ ضحك وقال لي هون الكل بيقولوا شيخ.”
ويؤكد حسين أن التعامل داخل المخفر يتم من خلال هذا اللقب فقط، مضيفاً: “ما عاد في نقيب أو ضابط أو حتى عسكري، الكل بيحكي عن الشيخ، الله يرحم أيام لما الشيخ كان بس رجل دين.”
ويرى سامر أن هذه الطريقة تخلق غموضاً متعمداً في معرفة الرتب والمسؤوليات، وتجعل المواطن في مواجهة سلطة بلا هوية واضحة.
ولم ينحسر ذلك على المخافر والدوائر الحكومية، حيث تغير الخطاب أيضا في الحواجز الأمنية التي تفصل بين المدن والمحافظات. حيث لاحظ أبو خالد، وهو سائق نقل داخلي على خطّ دمشق– الحسكة منذ أكثر من عشر سنوات، التغيّر في طريقة الخطاب داخل هذه الحواجز واستخدام لقب “الشيخ” بدلاً من الرتب الأمنية التقليدية.
ويقول لـ “الحل نت“: “كنا زمان نسمع يقولوا العميد فلان أو الملازم فلان، هلأ بيقولوا الشيخ هو يلي قرر أو الشيخ قال ما تمروا اليوم”.
ويضيف: “العنصر نفسه صار يُنادى بالشيخ، حتى لو لابس لباس عسكري، بيقولوله الشيخ أبو محمد أو الشيخ أبو أحمد. يعني العميد صار شيخ، والعنصر صار شيخ، وكلهم مجهولين.”
بهذا الشكل، تحوّل “الشيخ” من لقب ديني معروف إلى رمز إداري أمني فضفاض يُستعمل كواجهة لكل سلطة غامضة، دون وجه أو اسم أو توقيع واضح.
في المجتمع.. الكلمة تتجاوز المؤسسات
امتد استخدام كلمة “الشيخ” إلى الحياة اليومية، حتى أصبحت تُستخدم بوصفها لقباً عاماً لأي شخص يملك سلطة أو نفوذاً، سواء كان في موقع رسمي أو اجتماعي. وبات اللفظ جزءاً من اللغة المتداولة في المدارس والأسواق، حيث يتحدث الناس عن “الشيخ صاحب المدرسة” أو “الشيخ التاجر”، دون أن يكون المقصود رجل دين بالضرورة.
تعمل أم مياس معلمة في إحدى المدارس الابتدائية بريف دمشق، وهي أمّ لثلاثة أطفال في مراحل دراسية مختلفة. من خلال عملها اليومي في المدرسة واحتكاكها المباشر بالطلاب والأهالي، لاحظت تغيّراً في لغة الناس، وخصوصاً الأطفال في استخدامهم للقب “الشيخ” في حياتهم اليومية.
هذا التغيير بدأ يظهر تدريجياً داخل المدرسة، ثم امتدّ إلى البيت والحيّ، حتى أصبح اللقب يُستخدم للدلالة على أي شخص يملك سلطة أو نفوذ، بغضّ النظر عن موقعه أو مؤهّله.
أم مياس لـ “الحل نت”
وتضيف أم مياس لـ “الحل نت“: “صار ابني الصغير يقول لي الشيخ أبو المدرسة سمح لنا نطلع بكّير، الكلمة صارت تمشي بكل مكان، بالمدرسة وبالبيت. نحنا كنا نعرف الشيخ رجل علم ودين، اليوم صار الشيخ أي شخص عنده سلطة أو واسطة.”
استخدام اللقب بهذه الطريقة يعكس تحولاً في الوعي الشعبي، حيث أصبح الناس يتقبلون فكرة السلطة المغلّفة بالدين بوصفها أمراً طبيعياً، حتى لو لم يكن للشيخ أي صفة دينية حقيقية.
بين الديني والاجتماعي: خطر على الوعي العام
تثير هذه الظاهرة نقاشاً واسعاً بين الباحثين والمهتمين بالشأن الاجتماعي، الذين يرون فيها مؤشراً على تديين الخطاب الإداري وخلط المفاهيم بين السلطة الدينية والمدنية.
ويحذر بعض الباحثين من أن انتشار استخدام هذا اللقب داخل المؤسسات الرسمية قد يؤدي إلى تآكل الحدود بين الرمزي والديني والإداري، ويحوّل المفاهيم الأخلاقية إلى أدوات هيمنة جديدة.
باحث في الشؤون الاجتماعية، فضل عدم ذكر اسمه، يرى أن تعميم لقب الشيخ في كل مكان ظاهرة خطيرة يجب التنبّه لها، لأنها تخلط بين الرمزي والديني والإداري بشكل يربك المجتمع.
“الشيخ في الوعي الشعبي هو رجل دين، رمز للعلم والاحترام، حين يُستخدم اللقب لكل موظف أو عنصر أمن، يتحول إلى كلمة مفرغة من معناها، بل وإلى وسيلة للتسلّط باسم الدين.”
باحث في الشؤون الاجتماعية
ويضيف أن هذا الاستخدام العشوائي يخلق تشويشاً في الوعي الجمعي ويهز صورة رجال الدين الحقيقيين. موضحا أنه “حين يسمع المواطن كلمة شيخ في الحاجز أو في الدائرة، يبدأ بربط الكلمة بالمنع والتعقيد والتهديد، لا بالعلم أو الوعظ، وهنا الخطر الحقيقي أن تتحول الكلمة التي كانت تعني الهداية إلى رمزٍ للغموض والخوف.”
وشدّد الباحث على أنه “يجب أن يبقى لقب الشيخ مرتبطاً بمكانه الطبيعي، برجال الدين والعلم، لا أن يُلقى في كل موقع سلطة، لأن استخدامه بهذه الطريقة يُفقد المجتمع معانيه الرمزية ويزيد من ضياع الحدود بين المقدّس واليومي.
أخيرا، يرى العديد أن استخدام لقب “الشيخ” في مؤسسات الدولة السورية يعكس محاولة لإعادة إنتاج نموذج السيطرة القديمة بأسماء جديدة. فبدلاً من “العميد” أو “الضابط”، أصبح “الشيخ” هو رمز السلطة والقرار، ما يجعل المواطن أمام منظومة تخويف مختلفة في الشكل فقط، لكنها تحمل المضمون نفسه.
ويساهم استمرار هذه الظاهرة في تكريس الغموض والارتياب في العلاقة بين المواطن والسلطة، ويؤدي إلى إضعاف الثقة في المؤسسات الرسمية التي تتبنى لغة دينية لتغطية ممارساتها الإدارية والأمنية.
تفاصيل إضافية عن الشيخ في مؤسسات الدولة السورية: سلطة ظلٍّ بين الديني والإداري
🔍 اقرأ المزيد على هنا:
مقيم أوروبا
📌 المصدر الأصلي:
مقيم أوروبا وعوغل ومواقع انترنت