في خضم التصعيد الدموي الذي تشهده محافظة السويداء منذ منتصف الشهر الجاري، تتصاعد المخاوف بشأن مصير مدير مركز الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” في المدينة، حمزة العمارين، والذي انقطع الاتصال به أثناء قيامه بمهمة إنسانية لإجلاء فريق تابع للأمم المتحدة من منطقة اشتباكات قرب دوار العمران.

 منظمة الدفاع المدني أكدت في بيان صدر ، أمس الثلاثاء، أنها فقدت الاتصال بالعمارين يوم 16 تموز/ يوليو عند السادسة مساءً، وأشارت إلى أن مجموعة مسلحة محلية أوقفته واقتادته إلى مكان مجهول، ورغم محاولة مسؤولي المنظمة التواصل مع الخاطفين صباح اليوم التالي، فإن الاتصال انقطع نهائيًا منذ ذلك الحين.

هل عُثر على جثته؟

تصاعدت الشائعات حول مصير العمارين منذ يومين بعد انتشار مزاعم على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بالعثور على جثته، مع اتهامات لميليشيات مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري بتصفيته، لكن هذه الادعاءات لم يتم التحقق منها.

وطالب الدفاع المدني في بيانه جميع الجهات المسيطرة في السويداء بالإفراج الفوري عن العمارين، محذرًا من أن استهداف العاملين الإنسانيين يهدد عمليات الإغاثة، ويعطل وصول المساعدات إلى المدنيين المحتاجين في المحافظة.

وقد شكلت الأحداث الأخيرة في السويداء خلفية قاتمة لاختفاء العمارين، فمنذ 13 تموز/يوليو، تشهد المحافظة اشتباكات دامية بين فصائل درزية ومجموعات بدوية، أسفرت عن مقتل 1311 شخصا، بينهم مدنيون، وفقًا لأحدث حصيلة وثقها وثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

 كما تسببت أعمال العنف والنزوح الجماعي في تهجير أكثر من 128 ألف شخص، بينهم 43 ألفاً نزحوا في يوم واحد، بحسب بيانات الأمم المتحدة، بينما قدرت تقارير حقوقية محلية.

من هو حمزة العمارين؟

حمزة العمارين، الذي يُعد أحد أبرز وجوه العمل الإنساني في سوريا، قضى سنوات من حياته في إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض وإجلاء المحاصرين في مناطق النزاع، وقد عُرف بصورة شهيرة التقطت له في شباط/ فبراير 2023 وهو يحمل طفلة أنقذها بعد زلزال مدمر ضرب إدلب، والتي جعلت منه رمزاً إنسانياً، وأكدت التزامه التام بمبادئ الحياد والخدمة لجميع السوريين دون تمييز.

وجهت عائلة العمارين مناشدة علنية إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وإلى وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح، للتدخل العاجل والكشف عن مصيره، كما دعت مشايخ العقل ووجهاء السويداء إلى تحمل مسؤولياتهم والعمل على تأمين الإفراج عنه، مؤكدة أنه لم يكن طرفاً في أي نزاع مسلح، بل كان يؤدي مهاماً إنسانية بحتة.

وفي مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، شددت العائلة على أن غياب الحماية عن المتطوعين الإنسانيين يشكل خطرًا كبيرًا، ليس فقط على حمزة، بل على جميع فرق الإغاثة العاملة في مناطق النزاع.

هشاشة الوضع الأمني

كشف التصعيد الحالي في السويداء هشاشة الوضع الأمني، حيث تتزايد حوادث الخطف والاستهداف العشوائي للمدنيين والمتطوعين، وفق تقارير محلية، تسجل المحافظة ما بين 15 و35 حالة اختطاف شهريًا، غالبًا ما تنفذها عصابات مسلحة.

 هذه البيئة غير الآمنة تضع المنظمات الإنسانية أمام تحديات غير مسبوقة، إذ قد يؤدي استهداف متطوعين مثل العمارين إلى تراجع قدرة فرق الإنقاذ على التدخل في الأزمات، ويضاعف معاناة السكان الذين هم بأمسّ الحاجة إلى المساعدات.

وشددت منظمة الدفاع المدني في بيانها الأخير على أن “استهداف المتطوعين الإنسانيين هو خرق صارخ للقوانين الدولية، ويؤدي إلى إضعاف العمل الإغاثي، ويجعل المدنيين ضحايا فراغ إنساني قاتل”، كما طالبت المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرك الفوري لإطلاق سراح العمارين وضمان سلامته.

ويبقى مصير حمزة العمارين مجهولاً حتى الآن، في ظل الانفلات الأمني وتفاقم العنف، إلا أن قضيته تعكس أزمة أعمق، حيث يتعرض العمل الإنساني في سوريا لضغوط متزايدة وتهديدات تجعل من كل مهمة إنقاذ مخاطرة حقيقية، ما يزيد المخاوف من توسع تداعيات الواقعة لتتجاوز السويداء وتؤثر على مجمل الجهود الإنسانية في سوريا، في وقت يحتاج فيه الملايين إلى المساعدة العاجلة.